في حين بدأت تتعالى الأصوات الداعية للمشاركة بالانتخابات القادمة في ٢٠١٧ بعد نادرة قرب اتمام المجلس الحالي مدته الدستورية الكاملة، أرى بأن أسباب المقاطعة ما زالت قائمة وأن الخضوع للضغوط الشعبية الداعية للمشاركة ما هو إلا خيانة لمن دفع فاتورة المطالبة بالإصلاح السياسي في السجن والحرمان من المواطنة، وغيرهم ممن عانوا بطش الحكومة للدفع بأجندتها الدكتاتورية بمعاونة زمر الإفساد.
لا أريد الكتابة عن السوابق التاريخية التي تبين سلبيات الخضوع للمسرحية الانتخابية السمجة القادمة ولا عن العهود المتتالية التي نقضتها الحكومة على مر سنين الكويت في ظل دستور ٦٢، ولكنني أريد فقط تذكير القارئ بالواقع المرير الذي نعيشه اليوم في ما يراد تسميته الكويت. الواقع هو بأننا نعيش بعهد لا يمت للديمقراطية بصلة. اليوم في الكويت يتم سحب الجناسي بلا حسيب ولا رقيب، اليوم في الكويت يخرج لنا شخص من الأسرة الحاكمة يرتدي بدلة عسكرية رسمية على التلفزيون ليقذف مواطنون ومقيمون بعنصرية مقيتة بلا احترام. اليوم في الكويت هنالك أكثر من ٦٠٠ شخص ملاحق لقضايا تتعلق بممارسات ديمقراطية حقة مكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان ومنهم من يقضي وقته في السجن. اليوم في الكويت هنالك من قضى أيام وأسابيع في السجن لاتهامات أثبتت المحاكم بطلانها وبرائتهم ولم يحاسب أحد على هذا التعسف. اليوم في الكويت ليست هنالك رياضة يستطيع بها أبناء الكويت رفع اسمها في المحافل الدولية نتيجة لصراع بين أشخاص في الأسرة الحاكمة لا يساوون ظفر رجل أحد من هؤلاء الشباب والبنات الرياضيون. في الكويت اليوم أشخاص لا يمتلكون الجنسية الكويتية نتيجة لمهازل إدارية حكومية. الكويت اليوم تمر بأزمة اقتصادية والحكومة غير قادرة حتى على استيعاب المشكلة قبل التفكير بحلها.
إن كانت هذه هي مظاهر دولة المؤسسات والديمقراطية التي تريد المشاركة بمسرحيتها القادمة فأهلاً وسهلاً بسذاجتك.
الإنتخابات القادمة وإن كانت نزيهة وترشح بها أشخاص يريدون الإصلاح حقاً، فإنها لن تغني ولن تسمن من جوع في الوقت الحالي. مجريات الواقع الكويتي منذ ٢٠١١ وضحت الحقيقة التالية: "لا يؤمنون بالديمقراطية ويمقتون الشعب الكويتي ويريدون نهبها بأقسى سرعة ممكنة قبل السفر لقصورهم بجنيف ولندن ونيويروك (نيوجرسي للدقة)." مجلس الأمة الكويتي الذي يمتاز بقدرة نسبية للتشريع والمراقبة باستقلالية ليس السبيل نحو رفعة الكويت وانقاذها ممن يتحكم بها بعنجهية وكره. ما المانع الدستوري والسياسي من توافر أسباب جديدة للضرورة تبرر اصدار قانون جديد ينظم العملية الانتخابية (تغيير الدوائر من ٥ إلى ٣٦ مثلاً) إن فرضنا دخول مجلس الأمة ٥٠ اصلاحيا في ٢٠١٧؟ ما المانع من حل مجلس الأمة بعد ثلاثة شهور من بداية الفصل التشريعي؟ ما المانع من ابطال مجلس الأمة نتيجة لخطأ اجرائي تقترفه حكومة قادمة؟ وإن لم يحصل أي من السابق، فإن السوابق "الحميدة" التي سُنت في المجلسين الفائتين قد نزعت الأنياب الأليفة التي كان يتمتع بها مجلس الأمة أساساً، أداة الاستجواب أصبحت نكتة يتدلدغ منها الوزراء. وإن كنا سنحاسب، نحاسب من؟ الوزراء؟ هم أكثر من هم مساكين في الكويت، وكلنا نعرف بأن العلة ليست الوزراء بل قيادات ادارية بالبلد وأبناء الأسرة الحاكمة وعوائل أخرى مُحصنون من المسائلة الحقيقية وهل نسينا حادثة الوزير شعيب المويزري مع أحد هؤلاء عندما كان وزيراً؟
أخي القارئ، أهلا مرة أخرى، إلى الآن مقتنع بأن المشاركة أسلم لنا من مقاطعة العملية الانتخابية في الوقت الحالي؟ أعلم اشتياقك لسباق المرشحين وأدرينالين النتائج ووناسة المقرات الانتخابية ونشوة الفوز. أعلم بأنك تريد الخير للبلد وبأن قوى المعارضة قد خذلتك. أعلم بأن الأفق أصبح ضيقاً والنظرة للأمام ملؤها العتمة وبأنك تريد صنع التغيير بأقل التكاليف الممكنة. أعلم بأنك خشيت أن يحصل لك ما حصل لعياد الحربي وسارة الدريس وراشد العنزي وعبدالرحمن العجمي وعبدالله فيروز وعبدالله البرغش، فخف احتجاجك عندما رأيت عائلتك وخفت على نفسك. أعلم بأنك تسأل: إن كان الكل قد سكت وخف صوته، لم لا يهدأ صوتك كذلك؟ لم لا تمارس (حقك الديمقراطي) كالآخرين وتستخدم جنسيتك للتصويت "للأصلح" أو لمن سيستعجل بمعاملتك أو لمن سيخدم طائفتك أو قبيلتك وكفى؟ ألم يفوزوا؟
أعلم بأن كل ما كُتب آنفاً بمقالي معروف وهو فقط اعادة صياغة لوقائع عايشناها كلنا، ولهذا فإن مقالي لا يقتصر عليه فقط. الرسالة التي أريد بعثها من هذا المقال هو بأننا في مفترق طرق مهم جداً في تاريخنا الكويتي. أعتقد بأننا الآن أُعطينا حرية اختيار المسلك الذي نريد، والذي سنذكره لأبنائنا وأحفادنا بعد سنين، جيداً كان أم سيء. الجيل الكويتي الجديد يعلم بأننا نعيش بمهزلة ولديه القدرة إما للعودة لما كنا عليه منذ ١٩٦٢ أو النظر للأمام وصنع تغيير حقيقي لا يقتصر على تعديل نظام انتخابي فقط. نملك القدرة على فرض نظام يجسد بكل فاعلية ما ورد بالمادة السادسة من الدستور الكويتي "الســيــــادة فيه للأمـــــــــــة مصـــــدر الســــــلــــطــــات جميعا." آمن الأباء المؤسسون بهذه الجملة ففرضوها على صناع القرار في ذلك الحين، ونحن لسنا أقل من هؤلاء ونملك فرضها حقيقةً على صناع القرار اليوم كذلك. نملك العمل نحو برلمان تمثيلي حقيقي بفاعلية وقوة تملك المحاسبة الحقيقية والتشريع لرفع هامة الكويت لا ترضية لأطراف الفساد. نحو برلمان لا يُحل إلا بإرادته. نحو برلمان لا تشترى ولاءاته بحقائب أو بخدمات. نملك العمل نحو حكومة تخرج من رحم الشعب الكويتي وتمثل إرادته الحقيقية، ولا تكون مناصبه لإرضاء قبيلة أو طائفة أو عائلة بل لإرضاء الكويت. نحو حكومة يستطاع محاسبتها على كل صغيرة وكبيرة. نحو جهاز إداري تكون قياداته مبنية على كفاءة أصحابها لا جيناتهم. نحو رئيس مجلس وزراء خارج الأسرة الحاكمة لديه مؤهلات القيادة ويكتسب ثقة ممثلو الشعب بعمله لا برفع عقاله أو حقائب الدفع المسبق. نملك العمل نحو سلطة قضائية مستقلة تحترم أسس القانون وتبحث عن العدل الحقيقي. وكل هذا يتحقق بعمل ديمقراطي حقيقي خارج اطار العملية الانتخابية الهزلية القادمة.
أيتها القارئة، تثقفي واقرأي عن التجارب الديمقراطية الأخرى في أوروبا وأمريكا وآسيا. اعرفي قدرتك على التغيير وفرض ما تريدين من رفعة وتنمية لك ولدولتك عن طريق القواعد الشبابية والتحركات السياسية الجادة. كوِّني فكرك السياسي واشتركي بالجماعة السياسية القريبة من فكرك، وتعرفي على غيرك ممن يشاطرك الرغبة بالتغيير. اقتنصي كل فرصة تستطيعين بها مناقشة الحالة الكويتية مع أي شخص وتحدي نفسك بكل رأي لا يناسبك وفنديه. اذهبي للندوات السياسية والصالونات الثقافية، اعملي على مشروع سياسي يُخرج الكويت من مهزلته. ثقفي من هم حواليك من مجاميع شعبية. اعرفي المعاناة التي يمر بها عديمو الجنسية، ومعتقلو الرأي، وحاولي تغيير الحال نحو الأفضل، فأنتِ من يخشونه زمر الفساد وعناصر الأتقراطية في الكويت. صوتك النقي وعزيمتك الصادقة هي التي ستسقطهم من أبراجهم العاجية. أنتِ روح عبدالله السالم ودواوين الإثنين وحقوق المرأة السياسية ونبيها خمس وارحل وكرامة وطن. أنتِ الديمقراطية الكويتية بأبهى صورها وأصدق حالاتها لا مسرحيتهم الإنتخابية السمجة.
وبهذا أدعو كل قارئ وقارئة لهذه المقالة مقاطعة الانتخابات القادمة وعدم المشاركة بأي عمل يضفي شرعية غير مستحقة لمؤسسات لا تحترمنا. أدعوكم لصنع التغيير الحقيقي واتمام "الرغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز."
"نحن البلاد وسكان البلاد وما فيها لنا، إننا السكان والسكن
اليوم للشعب والأمس المجيد له له غد وله التاريخ والزمن
فليخسأ الظلم ولتذهب حكومته ملعونة وليولي عهدها النتن
المجد للشعب والحكم المطاع له والفعل والقول وهو القائل اللسن."
- من قصيدة لعبدالله البردوني عن اليمن.
*أعتذر عن الأخطاء الإعرابية.
No comments:
Post a Comment